قصة الامير الصغير وكيف اصبحت السعادة مشكلة ! من روائع كتاب فن الامبالاة


قصص عربية قصة الامير الصغير

فكرة الملك لابنه

منذ حوالي الفين وخمسمئة عام , علي سفوح جبال همالايا في المنطقة المعروفة اليوم باسم نيبال , كان هناك قصر كبير لملك موشك علي ان ينجب طفلا , كانت لدي الملك فكرة عظيمة من اجل هذا الابن , سوف يجعل حياته كاملة , لن يعرف هذا الطفل لحظة معاناة واحدة ; وسوف تلبي حاجاته ورغباته كلها في كل وقت .
شيد هذا الملك اسوارا عالية من حول قصره لكي تحول بين الامير الجديد وبين معرفة اي شئ عن العالم الواقع خارج القصر , بالغ في دلال طفله واغدق عليه الهدايا واطايب الطعام واحاطه بخدم يستجيبون لكل نزوة من نزواته , كبر الطفل جاهلا بكل ما يتعلق بأشكال القسوة المألوفة في حياة البشر , تماما مثلما خطط له ابوه الملك.
انقضت طفولة الأمير كلها علي هذا النحو, لكنه صار شابا خانقا منزعجا رغم كل ما حظي به من رفاهية وترف لا حدود لهما , سرعان ما صار يشعر بأن كل تجربة يمر بها فارغة عديمة القيمة , والمشكلة ان كل ما يقدمه والده صار في نظره عديم المعني تماما وغير كاف علي الاطلاق.

صدمة الامير الصغير

وفي ليلة من اليالي , تسلل الامير فخرج من القصر ليري ما خلف اسواره , جعل احد الخدم يأخذه الي قرية من القري فهاله ما رآه فيها , رأي الامير معاناة البشر لأول مرة في حياته , رأي اشخاصا مرضي , ورأي اشخاصا عجائز , ورأي بشرا مشردين , وبشر يطردون من ديارهم , بل رأي بشرا يموتون ايضا .
عاد الامير الي القصر ووجد نفسه واقعا في مشكلة وجودية , لم يكن يعرف كيف يتعامل مع ما شاهده ففاضت عواطفه تجاه كل شئ وصار كثير الشكوي والتذمر , وكما هي الحال عادة لدي الشباب, انتهي الامير الي لوم والده علي كل ما حاول فعله من اجله صار الامير مقتنعا بأن الثراء هو ما جعله تعيسا وهو جعل حاته تبدو عديمة المعني الي هذا الحد , فقرر الامير ان يهرب من القصر.
لكن الامير الشاب كان اكثر شبها بأبيه مما يظن , كانت لديه افكار كبيرة ايضا ولم يكن ليكتفي بالهرب من القصر , بل اراد ان يتنازل عن وضعه الملكي وعائلة وممتلكاته كلها وأن يعيش في الشوارع وينام علي الارض الترابية مثلما تفعل الحيوانات , هناك سوف يجوع نفسه وسوف يعذب نفسه وسوف يتسول بقايا الطعام ويطلبها من الغرباء طيلة ما بقي من حياته.

هروب الامير ليذوق المعاناة!

وفي اليلة التالية , خرج الامير خلسة من القصر , خرج مرة اخري وقد قرر الآ يعود ابداّ , عاش سنوات طويلة مشردا , وصار مجرد بقية منسية منبوذة من المجتمع مثل فضلات الكلاب المتجمعة عند اسفل السلم الاجتماعي , كانت معاناة الامير كبيرة , مثلما خطط تمام , لقد عاني المرض والجوع والوحدة والضعف , بل واجه الموت نفسه وكثيرا ما كان طعام يومه كله مقتصرا علي جوزة واحدة.
مرت بضع سنوات , قم بضع سنوات اخري , ولم يحدق شئ , بدأ الامير يلاحظ ان حياة المعانة هذه لا تختصر المغزي من الحياة كلها , لم تزوده معاناته بالبصيرة التي رغب فيها ولم تكشف له عن أيه اسرار من اسرار العالم العميقة ولا عن غايته النهائية.

الصدمة من جديد

حقيقة الأمر أن الامير صار الآن يعرف  ما نعرفه كلنا , الي حد ما صار يعرف ان المعاناة امر سئ جدا , ثم انها ليست بالضرورة امرا ذا معزي عندما يكون المرء ثريا , لا يصير للمعاناة المادية أي معني علي الاطلاق اذا كانت معاناة من غير غاية , سرعان ما توصل الامير الي ان فكرته العظيمة مثل فكرة ابيه من قبله كانت فكرة شديدة السوء في حقيقة الامر وأدرك ان عليه ان يذهب ويفعل شيئا آخر بدلا مما فعلته حتي ذلك الوقت.
كان الامير مشوش الذهن تماما نظف نفسه , ثم سار حتي وجد شجرة كبيرة عند ضفة النهر , قرر ان يجلس تحت تلك الشجرة وألا ينهض الي أن تأتيه فكرة عظيمة أخري.

ماذا تعلمنا من هذه القصة؟

تقول تلك القصة الاسطورية بعد ذلك ان الامير جلس تحت الشجرة تسعة وأربعين يوما , لن ندخل الان في مناقشة امكانية جلوس المرء في المكان تفسه تسعة واربعين يوما , لكنا سنكتفي بالقول ان الامير توصل بعد ذلك الزمن الي ادراك عدد من الامور العميقة , كان من ضمن هذه الامور ان الحياة نفسها نوع من انواع المعاناة , يعاني الاثرياء بسبب ثرائهم ويعاني الفقراء بسبب فقرهم ويعاني من ليست لديهم اسرة بسبب عدم وجود اسرة ويعاني من لديهم اسرة لأن لديهم اسرة . يعاني من ينشدون المسرات الدنيوية لأنهم ينشدون المسرات الدنيوية ويعاني من يستكفون عن المسرات الدنيوية لأنهم مستنكفون عنها .
مرت السنوات وكون الامير لنفسه فلسفة قدمها الي العالم , الفكرة المركزية في هذه الفلسفة هي ان الألم والخسارة امران لا مهرب منهما , ان علينا ان نقلع عن محاولة مقاومتهما , سوف يعرف هذا الامير فيما بعد باسم بوذا واذا لم تكن قد سمعت ببوذا قبل الآن فلك ان تعرف انه شخص ذو اهمية كبيرة.

0 تعليقات